مفاهيم مهمة في التربية الأسرية
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
المجتمع الأسري المتميز المتماسك هو المجتمع الناجح، وكل أسرة تهدف أن تكون كذلك، ولكن هذا لا يتأتى إلا بجهد جماعي ووعي واضح عند أفراد الأسرة فكل عضو في الأسرة هو ركن في هذا النجاح والتميز، ولبنة مهمة في بنائه فكونوا يا أفاضل كذلك يتميز مجتمعكم الأسري، وثمة مفاهيم تربوية ينبغي المحافظة عليها ومعرفتها ليكون مجتمع هذه الأسرة ناجحًا ومتميزًا وسأذكر خمسة عشر مفهومًا ينبغي تفعيلها على أرض الواقع لنعيش هذا التميز، وإذا تميزت الأسر تميز المجتمع كله، وهذه المفاهيم قد لا تحتاج إلى كبير عناية بقدر ما تحتاج إلى رعاية مستمرة حتى لا تنقطع ولا تتوقف.
المفهوم الأول: أن يكون الوالدان قدوة لأولادهم في فعل الحسن وترك القبيح لأن عيون الأولاد متعلقة في كثير من الأحيان في أفعال الوالدين خصوصا الصغار ولهذا لابد أن يكون الوالدان بعيدي النظر تربويا بحيث يعلمان أن ما يفعلانه هو مرسوم في أذهان أولادهم من الخطأ والصواب، ولهذا قال عمر بن عتبة لمؤدب ولده: ليكن أول صلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت؛ فلنكن جميعًا موضع القدوة الصالحة.
المفهوم الثاني: أن يتصف أفراد الأسرة بالتغافل الأمثل عن الزلات، وهذا التغافل يكون ممدوحًا إذا كان يؤدي إلى مصلحة فالذي يقف عند كل زلة ويدقق على الآخرين فإنه يتعب ويتعب غيره لأن الأنفس جبلت على الخطأ فالتغابي مطلب أحيانا، يقول الشاعر:
وليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه *** لكنَّ سيد قومه المتغابي
فبقدر ما يحصل من التغافل الإيجابي تزول المشاكل علمًا أن هناك تصرفات لا بدَّ من الوقوف عندها، ويكون التغافل فيها مذمومًا.
المفهوم الثالث: الجلسة الأسرية الدورية غاية في الأهمية لتلاحم الأسرة وترابطها وتداخلها، ولكن احذروا من محاذيرها كالغيبة والكذب ولو في المزاح ونحو ذلك، وكم هو جميل أن يكون فيها شيء من ذكر الله تعالى حتى لا تكون حسرة على أصحابها يوم القيامة.
المفهوم الرابع: التحفيز والتشجيع هو عتبات للنجاح المتتابع، فشجعوا كل تميز ولو كان يسير ليتبعه تميز آخر وهكذا، وليس التشجيع حكرًا على الأشياء الحسية الدنيوية بل من الممكن أن يكون التشجيع أخرويًّا، فيذكر للأولاد ما أعد لصاحب هذا العمل من الثواب في الآخرة، وفي هذا ربط الأولاد بالآخرة، فكم هو جميل أن يتحقق ذلك الهدف الأخروي علما أنه مع التشجيع تتكاثر الإيجابيات وهو أيضا يختصر علينا كثيرًا من الجهود.
المفهوم الخامس: التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر مطلب كبير داخل الأسرة وبذلك تتحسن الأخلاق والمعاملات ويكثر الخير وكل الخير يكمن في هذا الجانب، فهو شامل للآخرة والأولى فبقدر فعل المعروف تسعد تلك الأسرة وبقدر فعل المنكر قد تشقى تلك الأسرة، وسواء كان هذا المعروف والمنكر في اللسان أو في سائر الجوارح أو في اللباس أو المأكل أو غيرها فتآمروا وتناهوا وفقتم وبوركتم.
المفهوم السادس: إن من الحوار بين أفراد الأسرة ما يزيل كثيرًا من المشاق والمشاكل فالاختلاف من طبيعة البشر ولابد أن يكون هذا الحوار حوارًا بنَّاء وليس جدالًا عقيمًا، أما الجمود على الآراء وعدم أخذ الرأي فيها وعدم المحاورة مع المخالف فهذا يزيد في الجفاف العاطفي الأسري مما يجعل الأسرة تتفرق وتتبعثر لا قدر الله.
المفهوم السابع: ليعلم الوالدان الكريمان أنهما بتربيتهما لأولادهما مأجورون، فليستشعروا ذلك خلال عملهم وفي المقابل هم مأزورون إن ضيعوا من تحت أيديهم فكل راع سيسأله الله تعالى عما استرعاه أحفظ أم ضيع، فليكن ذلك مصاحبًا لأذهاننا دائمًا وفي كل توجيه ترغيبًا أو ترهيبًا، فما أحوجنا لدراسة تلك الرعاية التي هي محصلة الحياة فلنقرأ عنها ولنتناقش فيها ولنعرفها أيضا حق المعرفة.
المفهوم الثامن: يجب أن تبقى أسرار الأسرة داخلها ولا تتسرب منها إلى غيرها حتى لا تصبح حديث الآخرين أو شماتتهم إلا على نطاق ضيق فيه مصلحة لحل المشاكل أو تقليلها وذلك كعرض الموضوع على المستشارين ونحو ذلك وليحرص الجميع على حل مشاكلهم داخل أسرهم قدر الإمكان.
المفهوم التاسع: الرفق واللين في المعاملة والتوجيه هو الأصل، قال عليه الصلاة والسلام (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) فلابد للوالدين والمربين أن يتبعوا المصلحة أيا كانت سواء في اللين أو الشدة النسبية لأن هذا هو موضع الحكمة، غير أن الرفق هو الأصل، وهو أيضا البداية ولا يصار إلى الشدة إلا عند تعذر اللين وذلك لاكتساب المصلحة.
المفهوم العاشر: الوالدان الكريمان أطال الله أعمارهما على عمل صالح يجب أن يكونا خطًّا أحمر فلا يستطال عليهما بكلام يؤذيهما أو تصرف يجرحهما، فهما من تعبا وشقيا لأجل تكوين هذه الأسرة فحقهما كبير ويجب عند الخلاف معهما احترامهما وتوقيرهما والنزول عندهما إذا لم يكن في معصية الله تبارك وتعالى.
المفهوم الحادي عشر: ينبغي أن يكون الدعاء من الوالدين للذرية حاضرا في جميع الأوقات فهو من أقرب الوسائل وأكثرها للتربية وهو مسلك الأنبياء والصالحين، فعلى الوالدين الكريمين أن يجعلا لهما نصيبًا من آخر الليل فيخصون ذرياتهم بالدعاء لهم بالصلاح والإصلاح وهكذا الأوقات الفاضلة الأخرى كالسجود وساعة الجمعة وبين الأذان والإقامة فإن هذا لا يكلف شيئًا كثيرًا عليهما وهما الرابحان بصلاح ذريتهما قبل غيرهم.
المفهوم الثاني عشر: تحفيظ الأولاد الأذكار اليومية داخل الأسرة حتى يعيشوا مع تلك الأذكار ويجعلوها واقعا لهم، ولعلها أن تكون لأولادهم من بعدهم، فتكون صدقة جارية لهذين الوالدين، فليصحبهم الذكر ليلا ونهارا ولو تم التنسيق معهم في كل أسبوع ذكر من الأذكار يحفظ ويطبق لحصل بذلك خير عظيم وأجر مبارك.
المفهوم الثالث عشر: لا بدَّ من اختيار الألفاظ الطيبة في المعاملة الأسرية والتوجيهات التربوية فلربما أن لفظًا سيئًا يشتت أمرًا تربويًّا مهما يريده المربي، فاختر ألفاظك مع أهلك خصوصًا وغيرهم عمومًا فإن الألسنة هي مغارف ما في القلوب والأذهان، فحسن الكلام هو نصف حسن الخلق.
المفهوم الرابع عشر: إذا صعبت المشكلة داخل الأسرة فمن الممكن جدًّا استشارة المستشارين في الجمعيات الأسرية أو من الأفراد وإياك واستشارة من ليس هو أهلا لذلك.
المفهوم الخامس عشر: إن التربية تتطلب مد جسور التواصل العاطفي مع الأولاد لأن قبول التوجيهات بعد توفيق الله تعالى مقرون بالمحبة القلبية والجو العاطفي أكثر من غيرهما، فاعمل على إيجاد المحبة والعاطفة ولو بالتدريج فإنهما مدخل كبير للتأثير الإيجابي والقناعات الثابتة.
معاشر الآباء والأمهات والأبناء والبنات، هذه خمسة عشر مفهوما تربويا ينبغي أن تكون متداولة بيننا في أسرتنا وعلى أرض الواقع ومن خلال تربيتنا فاحرصوا جميعا وفقتم وبوركتم عليها وعلى أمثالها حتى تتقارب القلوب وتتجانس الأنفس ويحل الوفاق مكان الشقاق وما يلقاها إلا الذين صبروا، فالصبر والتأني وبعد النظر صفات مهمة لتحصيل الإيجابية.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا مباركين أينما كنا وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا والشياطين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شبكة الالوكة