ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تربية الأولاد بين المراقبة والإهمال"، والتي تحدَّث فيها عن تربية الأولاد والعناية بهم وفقَ تعاليم الإسلام، مُنوِّهًا إلى كثرة المُتربِّصين بالنشءِ، وضرورة انتِباه الآباء والأولياء لما يُحاك ضدَّ أولادهم من مُؤامرات يجبُ على الأولياء أن يئِدُوها في مهدِها.
الخطبة الأولى
الحمدُ لله مُفيض الخيرِ والجودِ والإحسان، أحمدُه بالجنانِ والأركانِ واللسان، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً نرجو بها الفوزَ بالرضوانِ والجِنان، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، المُصطفى من خُلاصة مَعدٍّ ولُباب عدنان، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آلِه وأصحابِه الذين حارَبُوا الباطلَ بسِنانِ اللسانِ، ولسانِ السِّنان.
أما بعدُ .. فيا أيها المُسلِمون:
اتَّقوا الله بالسعيِ إلى مراضِيه، واجتِنابِ معاصِيه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
صلاحُ النَّشءِ أعظمُ ذخيرةٍ وأجلُّ غنيمة، والتوجيهُ وسيلةٌ إلى كلِّ فضيلة، وحداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العمر، وحدَثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدارك، ناقصُ التدبيرِ والتفكير، أسيرُ التأثرِ والإعجاب، سريعُ المُحاكاةِ والمُماثلةِ والتشبُّه، لا يعبُرُ الصعابَ غالبًا إلا بإشارةِ مُشيرٍ وتسديدِ كبيرٍ ومعاونةِ نصير.
ومتى أُعجب الشابُ الحدثُ أو الفتاةُ الحدثةُ بشخصٍ انحازَ إليه واقتبسَ منه، واحتذىَ مثالَه ونحَا فِعالَه، وأكثَرَ من ذكرِه، ونظر من محجرِه، ونَطق بنغمَتِه، وحاكاه في هيئتِه وطريقتِه، وماثَلَه في صورتِه وحركتِه ولِبستِه، واقتَدىَ به في فكرِه وسلوكه.
والفتاءُ والصغرُ وحداثةُ السن قرينةُ الطهارةِ والغرارة، وقلةُ الفِطنةِ والحنكةِ والتجربة، ومتى صاحَبَ الحدثُ من لا يُوثقُ بمودتِه وعقيدتِه، وأمانته وديانته، خَتَلَه الخبيثُ من حيث لا يعلَم، وأطعمَه الباطلَ من حيثُ لا يدري، وسَقاه السمَّ من حيثُ لا يحتسب، وجنَّدَه ضدَّ دينِه ووطنِه وأهلِه وعشيرتِه وهو لا يشعر.
وفي الناسِ سِباعٌ عادِية، وذِئاب ضارِية، وأجادِلُ خاطِفة، تنتظرُ غيابَ الوليِّ الحامي، وغفلةَ الأبِ الحانِي.
ومن تركَ ولدَه يقطعُ وادي السِّباع، ويلهُو بين الوحوشِ الجِياع، ويسيرُ في الظُّلَم، ويعبُر المفاوِز في السَّحم، فقد باعَه وأضاعَه، وجعلَه نهبًا لشرار الخلق، وهدفًا لمآربهم الخبيثة.
ومن تركَ أولادَه يضربون في غَمرةِ اللهوِ والإثم، ويتسكَّعون في مراتِع الفتن، ويقتحِمُون غُمار الناس، وينغمسون في زحمةِ الخلقِ وكثرتهم، يُصاحِبُون من شاءوا دون رقابة، ويبيتُونَ خارج البيوت دون تَحفُّظ، ويمكثون بعيدًا دون مُساءَلة، فقد عقَّهم وظلمَهم.
والشادِخةُ المُحجَّلة حين يُصبِحُون ضحايَا لشقاشِقِ الشياطين، وخُطبِ المُرجِفين، وكتبِ الغلاة المبطلين، وأدواتِ التنظيمات السرية، والجماعاتِ التكفيرية الإرهابية، والتياراتِ الحزبية، والموجاتِ الإلحادية والإباحية، التي تزرعُ الأحقادَ في قلوبِ الأحداثِ والشباب ضدَّ وُلاتنا وعلمائنا وبلادنا وديننا، يُشعِلون النيران بكُسار العِيدان.
أيها الشاب الطرِير:
إياكَ أن تُستَجرَّ وتُخدَع .. إياكَ أن تُصغيَ للفتَّان وتسمَع .. إياكَ أن تُسلَب من أهلِك ووطنِك، وشرفِك وخُلقِك ودينِك وتُنزع. يا مَن يسيرُ في فلاةٍ غطشَاء، بعينٍ عمشَاء .. يا مَن يقطعُ أرضًا يَهمَاء، بلا زادٍ ولا ماء .. أقصِرْ وأبصِرْ، وانظر واعتبر، وارجِع إلى رشدِك وعقلِك، وأقبِل على مولاك، وتُبْ مما جنَتْه يداك، وأقلِع عن ذنوبِك وخطاياك، والتائبُ من الذنبِ كمَن لا ذنبَ له.
أيها الآباء والأولياء:
خُذُوا العبرةَ والعِظة، وكونوا الرعاةَ الحفَظَة، وأديموا الحذرَ واليقظة، وحاذِرُوا المُتسلِّلَ الخطَّاف، الذي حامَ حول بيوتكم وطاف، حاذِرُوا الخدَّاعَ المكَّار، الذي يصنعُ الأوكار، ويُسمِّمُ الأفكار، ويُغرِّرُ الصغار، ويخطَفُ الأغرار.
ومتى أيفعَ الغلام، وشارَفَ الاحتلام، وجبَ إعطاؤه مزيدًا من الرعايةِ والاهتمام، وولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحَبتَه ولاينتَه، وبالحبِ غَمرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشفقةِ نصَحتَه، وهو لعدوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعدته، فكُن لحديثهِ مُستمعًا، ولكلامِه مُنصتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهمًا، وقابِله حين يقصدُك مُستعلِمًا، وأفِضْ عليه من تجاربِك حين يأتيك مُستلهِمًا.
ولا تكُن ممن إذا سُئِلَ طاشَا، وصدَّر الإبلَ عِطاشًا، ولا تكُن كالريحِ العاصفة، والزلزلةِ الراجفة، تتحطَّمُ غضبًا، وتتوقَّد لهبًا، وكلمةُ الحب أصفَى، وحديثُ الحكمة أشفَى، وحوار العقلِ أوفَى، واللهُ سائِلٌ كلَّ عبدٍ عما استرعَاه أدَّى أم تعدَّى.
فعن أنسٍ - رضي الله عنه -: قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه حفِظَ أم ضيَّع، حتَّى يسأَلَ الرَّجلَ عن أهلِ بيتِه»؛ أخرجه ابن حبان.
يا رجالَ التعليم:
لن يستفحلَ الداء، ولن يُعوِز الدواء وأنتم الأساتذة الفضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون النبلاء. فاللهَ اللهَ في رعايةِ نشئِنا، وحماية شبابِنا وأولادِنا ومُجتمعِنا من كلِّ فكرٍ دَخيل، وخُلق ذميم.
جعلَني الله وإياكم ممن وفَّى بالعهد، وثَبَت على العقد، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
أقولُ ما تسمَعون، وأستغفِرُ الله فاستغفِرُوه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمدًا بالغًا أمدَ التمامِ ومُنتهاه، حمدًا يقتضي رِضاه، ويُوجبُ المزيدَ من زُلفاه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهَ وحدَه لا شريك له، شهادةً نبلغ بها عفوه وعافيتَه ورُحماه، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيه ونجيُّه ووليُّه ورضيُّه ومُجتباه، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً زاكيةً دائمةً ما دامَ انفلاقُ الصبح وإشراقُ ضِياه.
أما بعدُ .. فيا أيها المسلمون:
اتَّقُوا الله وراقِبُوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
لقد نزلَ الشتاءُ بحدتِّه وشدَّتِه وقسوتِه، على إخوانِكم اللاجئين والنازحين والمُشرَّدين، في الشامِ وغيرِها من البُلدان، الجليدُ وِطاؤهم، والثلوج غطاؤهم، تجمَّدَ تحتها أطفالُهم، وفاضَتْ على بِساطِها أرواحُهم، الخوفُ يضرِبهم، والعدو يُحاصِرُهم، والعواصِفُ تحُوطهم، تُغيِّرُ الألوان، وتُيبِّسُ الأبدان، وتُجمِّدُ الريقَ في الأشداق، والدمعَ في الآماق.
أُسرٌ وأطفال في العراءِ والبلاء، لا مساكِن تُؤيهم، ولا دُورَ تقِيهم، سِوى خيامٍ تُمزِّقها الريح، وتقتلِعُها العواصف، وتجرِفُها السيول، يُقاسُون شدَّة الجوع، وقسوة الشتاء، وخطر المرض والبلاء، في زمنٍ قاتِمٍ بالقسوة والعنفِ والرُعب.
فيا أهل الرخاء والثراء! أدرِكُوا الحيارَى الملهوفين، وأسعِفُوا المرضَى والمكلُومين، وواسُوا المُشرَّدين والمظلومين، وأعينُوا الفقراءَ والمحتاجين والمساكين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تصدَّقَ بعدْلِ تمرةٍ من كَسْبٍ طَيِّب، ولا يقبَلُ اللهُ إلاَّ الطَّيِّبُ، فإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بيمينِهِ، ثم يُربِّيها لصاحِبِه كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ، حتى تكونَ مثلَ الجبل»؛ أخرجه البخاري.
وقد أمرَ خادمُ الحرمين الشريفين الملكُ سلمانُ بن عبد العزيز - أيَّدَه اللهُ ونصرَه - بإطلاقِ الحملةِ الشعبية السعودية لإغاثةِ الشعبِ السوري؛ نُصرةً للمظلومين، وتضميدًا لجراح المكلومين في شامِنا الحبيبة.
فأجزلَ الله له الأجرَ والمثوبة، ومتَّعه بالصحةِ والعافية.
وأنتم أهل البرِّ والسخاء، والشهامةِ والعطاءِ، فأنفِقُوا وتصدَّقُوا، ولا تُوكوا فيُوكَى عليكم، ولا تُوعُوا فيُوعَى عليكم، ولا تُحصُوا فيُحصَى عليكم.
وطُوبى لمن أنفق من ماله في سدِّ الخلاَّت، وتنفيسِ الكرُبات، ومُواساة ذوي الحاجات، ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادِي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن جميعِ الآلِ والأصحابِ، وتابعيهم وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين، والقتلةَ المجرمين يا رب العالمين، وانصُر أهلنا في الشام وفي فلسطين، وفي كل أرضٍ يُضامُ فيها عبادُك المُوحِّدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلادنا أمنَها ورخاءَها، وعزها واستقرارها. اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أُمورِ المُسلمين لتحكيمِ شرعِك، واتِّباعِ سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم أمِّنْ حُدودَنا، اللهم أمِّنْ حُدودَنا، وانصُر جنودنا، اللهم تقبَّل موتاهم في الشُّهداء، واشفِ مرضَاهم يا سميعَ الدعاء.
اللهم وفِّقنا لمراضِيك، وباعِد بيننا وبين معاصِيك، واجعلنا ممن يخشاك ويتَّقيك يا رب العالمين.اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحَم موتانا، وانصُرنا على من عادانا يا رب العالمين.اللهم اجعَل دعاءَنا مسمُوعًا، ونداءَنا مرفوعًا، يا سميعُ يا قريبُ يا مُجيب. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.