العجار رمز للحشمة والوقارلقد اختفى العجار تقريبا من المشهد العام للأزياء الجزائرية، ولم نعد نراه في شوارعنا ولا عند نساء عائلاتنا، ماعدا بعض العجائز اللاتي يصررن على التمسك بتقاليد زمان، وهذا لا يمنع التحدث عن هذه القطعة التراثية التاريخية رغم اختفاءها.
فالعجار هو قطعة القماش التي تضعها المرأة على وجهها للسترة عند الخروج من البيت، حيث كانت المرأة تكاد لا ترى الشارع إلا من مناسبة الى اخرى، لعدم سماح المرأة من الخروج واكتفاءها بتربية الاطفال والعناية بالمنزل، سوى اذا تنقلت للطبيب او زيارة الأقارب، لان الشوارع كانت تمتلئ بالرجال فقط خاصة في الارياف والمدن الصغيرة التي لا يكاد الرجل يرى امرأة في الشارع، وإذا رآها فلا يرى سوى لباسها الذي كانت تتستر به حين كان حايك مرمى والعجار الذي يغطي وجهها وجمالها، حيث كان رمزا للرفعة والحشمة والوقار.
يصنع العجار من قطعة حريرية مطرزة سواء بالكروشي، الشبيكة، الطرز، الكنتير، الشعرة، الرسم أو العقاش، حسب ذوق وإمكانيات كل امرأة، كما مر العجار بعدة مراحل في العهد القديم، فقط كانت نساء العاصمة البليدة والمدية الاكثر ارتداء للعجار، حيث تعاقبت الحضارات على هذه المناطق جعل العجار يمر بعدة مراحل على حسب الحضارة التي كانت سائدة آنذاك.
ولبس العجار كان يقتصر على الزوجات الفائقات الجمال خوفا عليهن، وأضافت الجواري اللائي جئن بهن من المسيلة وتلمسان في عهد المملكة الزيرية على العجار أشكالا جديدة، فكنّ يضعن ستارا شفافا ينزل من فوق الرأس ليغطي المرأة حتى أسفل وجهها.
أما في فترة تواجد الشيعة في المدن فقد عرفت الأسرة اللمدانية ما يسمى بالستار، وهو عبارة عن قطعة قماش تغطي الرأس وتسدل على الوجه.
ولعل الهلاليين هم من رسخوا شكل العجار حتى أصبح عرفا من أعراف المدينة وشاع في جميع ربوع التيطري.
وعندما حط العثمانيون الرحال بالبلاد عرفت المرأة هناك نوعا جديدا من العجار جيء به من تركيا أطلق عليه اسم ''العبروق''، وهو ستار شفاف يرى من خلاله وجه المرأة ومرصع بالنجوم، وظل هذا النوع سائدا في المدن في حين ظل العجار الهلالي يسيطر في الأرياف، وهذا راجع إلى تمركز النساء التركيات بالمدن فقط.
أما القرن الحادي والعشرين فقد عرفت الجزائر تغيرا كبيرا في سترة المرأة، حيث أصبح الحجاب هو اللباس الشرعي عند الفتيات والكبار في السن على حد سواء مرفوقا بالخمار فقط دون العودة الى العجار والحايك، لان حسبهن أن العالم قد تطور ولم تصبح نظرات المجتمع الحالية كنظراته سابقا، لكن المعروف عن الماضي انه كانت النية والأمن والطمأنينة والحشمة في الصميم، وبما أن العاصمة اشتاقت الى اللباس القديم، أصبحت بعض الجمعيات من حين لآخر تنظم وقفات ومبادرات لأحياء لباس الحايك والعجار والتجول به عبر شوارع العاصمة للتذكير بثقافتنا وتراثنا وتقاليدنا وترسيخها للأجيال القادمة بأبسط الوسائل.
فهيمة.ل