سنن مهجورة
في الطعام
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها ليطعمها، ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق يده؛ فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارك الله ، فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كل شيء حتى عند مطعمه أو طعامه ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها ، فإن في آخر الطعام البركة ".
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3 / 394 ) :
أخرجه ابن حبان ( 1343 ) و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2 / 187 / 2 ) من طريقين عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير عن جابر - و قال البيهقي : أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
و تابعه ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به . أخرجه أحمد ( 3 / 394 ) .و الحديث في " صحيح مسلم " ( 6 / 114 ) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبيرعن جابر به دون قوله : " فإن الشيطان يرصد ... " و لهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حبان و البيهقي و لما في رواية الثانية منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث، فاتصل السند و زالت شبهة العنعنة الواردة في رواية " مسلم " . على أن هذا قدشد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه .
( يرصد ) أي يرقب . جاء في " المصباح " : " الرصد : الطريق ، و الجمع ( أرصاد )
مثل : سبب و أسباب . و رصدته رصدا ، من باب القتل : قعدت له على الطريق ،
و الفاعل : راصد ، و ربما جمع على ( رصد ) مثل خادم و خدم . و ( الرصيدي )
نسبته إلى الرصد ، و هو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما و عدوانا " .
قلت : و من المؤسف حقا أن ترى كثير من المسلمين اليوم و بخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية و التقاليد الأوربية - قد تمكن الشيطان من سلبه قسما من أموالهم ليس عدوانا بل بمحض اختيارهم ، و ما ذاك إلا لجهلهم بالسنة ، أوإهمالا منهم إياها ، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم ، و كل واحدمنهم يأكل لوحده - دون ضرورة - في صحن خاص ، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب ، خلافا للحديث السابق ( 664 ) .
و كذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم ؛ فإنه يترفع عن أن يتناولها و يميط الأذى عنها و يأكلها ، و قد يوجد فيهم من المتعالمين و المتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات ! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم : " فليمط مارابه منها و ليطعمها ولا يدعها للشيطان " . ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام ، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ ( كلينكس ) ، فلا يكاد أحدهم يجد شيئا من الزهومة في أصابعه ، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل، خلافا لنص الحديث . و أما لعق الصحفة ، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع ،فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان ، و ينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام ، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون ، وإنما العجب من الذين يسايرونهم و يداهنونهم ،و هم به عالمون .
ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم و أرزاقهم ،مهما كان موسعا فيها عليهم ، و لا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن اتباع سنة نبيهم ، و تقليدهم لأعداء دينهم ، في أساليب حياتهم و معاشهم .
فالسنة السنة أيها المسلمون ! *( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه و أنه إليه تحشرون )* .
السلسلة الصحيحة (3-487) للعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
************
منتديات كل السلفيين