صلة الرحم واجبة حسب الطاقة
س: أنا شاب أبلغ من العمر 26 عامًا، وحيث أن لي أخوات متزوجات ووالدتي متزوجة من زوج غير والدي، حيث إن والدي متوفى، وأعمل عسكريًا وأرغب أن أذهب إليهم، ولكن ظروفي لا تسمح، علما بأني متزوج، فإذا ذهبت وتركت أهلي فلا بد أن أجلس لو على الأقل ثلاثة أيام، وفي خلال هذه الأيام سوف أكون مشغولاً عن زوجتي وأطفالي، فهل أكون قاطعًا للرحم، علمًا أن لي حدود عشرة شهور لم أصلهم؟
ج: صلة الرحم واجبة حسب الطاقة الأقرب فالأقرب، وفيها خير كثير ومصالح جمة، والقطيعة محرمة ومن كبائر الذنوب؛ لقوله : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 22-23] وقول النبي ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله ﷺ لما سأله رجل قائلا يا رسول الله: من أبر؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال في الرابعة: أباك ثم الأقرب فالأقرب أخرجه مسلم أيضا، وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة وبالتلفون - الهاتف - ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال إذا كان القريب فقيرًا، وقد قال الله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] وقال سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا [البقرة: 286] وقال النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم متفق على صحته.
وفق الله الجميع لما يرضيه[1].
1- مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (9/410).
**********************************
كيف تكون صلة الرحم؟ وما هو حد القطيعة؟
السؤال:
ما حد قطيعة الرحم؟ أعني ما هي المدة التي إذا مرت دون زيارتهم كانت قطيعة رحم؟
الجواب:
ما في حد محدود، صلة الرحم بالكلام الطيب، ومواساة الفقير منهم، ورد السلام عليهم وبداءتهم بالسلام، وإعانتهم على الخير كل هذا من صلة الرحم.
وقطيعة الرحم ما لها حد محدود، جفاؤهم الذي يعد خلاف المعتاد نوع من القطيعة، جفاؤهم من غير موجب شرعي وعدم الإنفاق على فقيرهم والإحسان إليه، وعدم الشفاعة لمظلومهم حتى ينصر في مظلمته ونحو ذلك قد يعد من القطيعة.
فالقطيعة أمر عرفي، والصلة أمر عرفي، فما هو معروف بين المسلمين الصلة والإحسان والاتصال والسلام وبذل المعروف يعد صلة، وما كان بين المسلمين يعد جفاء ويعد قطيعة فكذلك.
وليس الواصل بالمكافئ لأن بعض الناس إذا ما وصله أقاربه فهو لا يصلهم يقول: لا يصلونني ولا يجوني ما أنا بواصلهم فهذا غلط، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ليس الواصل بالمكافئ وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، هذا الواصل.
وكذلك يقول ﷺ لما قال له رجل: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحلم عليهم ويجهلون عليّ وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، قال: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله عليهم ظهير ما دمت على ذلك، فالله جل وعلا يعينه عليهم ما دام على حاله الطيبة، ويكون بهذا هو الواصل وهم القاطعون.
أما إن وصلوك وصلتهم وإن قطعوك قطعتهم لا، هذا ليس بصلة حتى الأجنبي إذا وصلك تصله، الأجنبي اللي ما هو بقريب إذا وصلك وأحسن إليك عليك المقابلة والمكافأة، لكن الرحم والقرابة لها حق وزيادة على هذا تصلهم وإن قطعوا، وتحسن إليهم، ترد عليهم السلام تبدأهم بالسلام تدعوهم للوليمة تجيب دعوتهم.
ولو قطعوك لأجل وحشة بينك وبينهم أو شحناء أو خصومات لا تقطعهم أنت، لكن لك أن تهجرهم ثلاثة أيام عند الوحشة والنزاع والخصومات لأجل حظ الدنيا، لك أن تهجرهم ثلاثة أيام فقط لا يزيد على ذلك لأن النبي ﷺ قال: لا هجرة فوق ثلاث
فالواجب أنه يصله بعد الثلاث، ويعود على حاله الأولى بعد الثلاث ولا يهجر فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، خير المتهاجرين الذي يبدأ بالسلام.
******************
الحد الشرعي لصلة الأرحام
السؤال:
أخونا أيضًا يسأل سؤالا مطولاً، ملخص ما سأل عنه: الحد الشرعي لصلة الأرحام، شيخ عبد العزيز؟
الجواب:
قد أوضح النبي - عليه الصلاة والسلام - ما يجب في هذا الباب ، فقال عليه الصلاة والسلام لما سأله رجلٌ قال : يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أباك ، ثم الأقرب فالأقرب، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة قاطع رحم، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسئ له في أجله ، فليصل رحمه.
وصلة الرحم واجبة ، وقطيعتها من المنكرات ومن الكبائر. والرحم هي القرابة ، وأعلاها الأبوان الأب والأم ، فبرهما من أهم الواجبات ، وقد أمر الله بها في آيات كثيرات من كتابه العظيم منها قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا، ومنه قوله - جل وعلا -: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ الآية.. وقوله جل وعلا: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فالوالدان لهما شأن عظيم وبرهما من أهم الفرائض في النفقة عليهما إذا كانا محتاجين ، في الإحسان إليهما بكل أنواع الإحسان ، بالسمع والطاعة لهما بالمعروف ، بإعانتهما على كل خير ، بخفض الجناح لهما ، وطيب الكلام معهما إلى غير ذلك.
ثم يليهما الأولاد بعد الوالدين وإن علياء كالجدين وإن علياء ، بعدهما الأولاد ، فالإحسان إلى الأولاد والإنفاق على المحتاجين منهم من أهم القربات ، ومن أفضل الواجبات ، ثم ما يلي ذلك من الإخوة والأخوات ، وصلتهم فريضة ، والإحسان إليهم ، والإنفاق عليهم إذا كانوا محاويج ، وقريبهم ذو قدرة ، ثم يلي ذلك أولاد الإخوة والأخوات ، ثم الأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، ثم الأقرب فالأقرب ، بالإحسان بالكلام الطيب ، بالإعانة على الخير ، بالشفاعة في الخير ، بالزيارة ، بالكلام المناسب ، ب..... عن حالهم ولو من طريق الهاتف ولو من طريق الرسائل كل ذلك من صلة الرحم ، والإنفاق على الفقير واجب أيضاً مع القدرة ، وهو من صلة الرحم ، وفي ذلك خيرٌ كثير وفضل عظيم ، وقد حذر الله من القطيعة فقال : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ فالخطر في القطيعة عظيم ، والواجب الحذر منها ، نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق والهداية.
-------------------------------------
حكم قطع الرحم بسبب سوء أخلاقه
السؤال:
السائلة (ن. ش. ح) من مكة المكرمة تذكر في سؤالها سماحة الشيخ وتقول: بأنها دائمًا تقاطع صلتها مع أخواتها، حيث تقول: لا أكلمهم وقد تستمر تلك المقاطعة لأكثر من شهر بسبب سوء أخلاقهن والتلفظ بألفاظ تقول: لا أقبلها، ماذا علي؟ وهل أعمالي لا تصعد إلى السماء في تلك المدة؟ وماذا أفعل مع أنهن أخواتي؟
الجواب:
الواجب صلة الرحم والتسامح من الأشياء اليسيرة التي ليست معاصي، مع النصيحة والتوجيه إلى الخير، ولا تجوز قطيعة الرحم؛ لأن الله جل وعلا يقول: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] ويقول النبي ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم فالواجب الحذر.
عليك أن تزوريهن وعليهن أن يزرنك، وعليكن أيضًا بالتسامح بينكن، ومن طريق الهاتف بالكلام الطيب -من طريق التلفون- إذا ما تيسرت الزيارة من طريق الهاتف يعني التلفون بالكلام الطيب، وإذا كان عندهن بذاءة في اللسان عليك النصيحة حتى يعتدن الكلام الطيب، وعلى من يعرف ذلك من الأقارب أن ينصحوا هؤلاء الأخوات حتى تستقيم الحال بينكن إن شاء الله.
المقصود المشروع الصبر مع النصيحة والتوجيه والزيارة المناسبة أو من طريق التلفون حتى لا تقع القطيعة، وعليهن أن يتقين الله وأن يسمعن ويطعن فيما ينتقد عليهن.
وإذا كان الواقع شيئًا يسيرًا من سوء الكلام فالنصيحة تكفي إن شاء الله وليس لك قطيعتهن، أما إذا كان معاصي ومجاهرة بالمعاصي هذا يوجب هجرهن، كأن يلعن ويسببنك أو يجاهرن بالمعاصي بالاختلاط مع الرجال، أو شرب الخمر، أو التلاعب واستعمال الملاهي والأغاني الخبيثة هذه منكرات عليك أن تهجريهن حتى يتبن ويستقمن على طاعة الله ورسوله.
أما إذا كان أشياء بسيطة من سوء الكلام بينكما أو المزح بينكن أو ما أشبه ذلك فعليك النصيحة والتوجيه ولعل الله يهديهن بأسبابك. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا سماحة الشيخ.
موقع ابن باز
**************************