4- شهر رمضان شهر العتق من النيران :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ، صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة أخرجه الترمذي (682) ، وابن ماجة (1642) ، وابن خزيمة (1883) ، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب (1/585) .
وعن أبي أمامه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لله عز وجل عند كل فطر عتقاء أخرجه أحمد (5/256) وغيره ، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" 1/586 (1001) : حسن صحيح .
فتعرض أخي الكريم لنفحات الرب جل جلاله في هذا الشهر الكريم ، عسى الله أن يمن عليك بكرمه وجوده فيعتق رقبتك من النار ، فتكون من السعداء الفائزين بجنة الخلد عنده سبحانه وتعالى .
5- شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين متفق عليه البخاري (1898) ، مسلم (1079) ، وفي رواية مسلم عنه : فتحت أبواب الرحمة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين مسلم (1079/2) .
فيا أخي :
اعلم أن أبواب الجنة تفتح في رمضان ، وأن أبواب النار تغلق فيه أيضا ، وذلك على الحقيقة دون تأويل ، وهذا من نعم الله العظيمة ، يتفضل بها على عباده في هذا الشهر الكريم .
فوا عجباً لمن يعلم أن الجنة تفتح أبوابها وتتزين للصائمين في رمضان ، ثم لا يشتاق إليها ويحث السير نحوها ، ويسعى لها .
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خاف أدلج ،ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة أخرجه الترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، وحسن إسناده الألباني في "الصحيحة" (2/637-638) (954) وانظر "المشكاة" ( 5348 ) .
اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
فالحذر أن تقدم على جنة عرضها السموات والأرض وليس لك فيها موضع قدم .
أخي الحبيب :
كما أن الجنة تفتح أبوابها في رمضان ، فإن النار تغلق أبوابها في رمضان ، فما أعظمها من نعمة يتفضل الله بها على العباد .
فوا عجباً لمن يعلم أن النار تسجر ، ولا يفعل ما ينجيه منها ، أما سمع قوله تعالى : إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً . لِلطَّاغِينَ مَآباً النبأ /21-22 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها أخرجه مسلم (2842) عن أنس رضي الله عنه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ... رواه البخاري (3265) ، ومسلم (2843) .
فيا أيها الغافل عن نفسه ، دع التفكير فيما أنت مرتحل عنه ، واصرف الفكر إلى ما أنت وارد عليه ، فلقد أخبر الملك سبحانه وتعالى أن النار مورد الجميع ، فقال تعالى : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً مريم /71 – 72 .
فأنت يا عبد الله من الورود على يقين ، ومن النجاة على شك ، فاستشعر في قلبك هول هذا المورد ، فعساك تسعد بالنجاة منه ، وتأمَّل في حال الخلائق وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا فينما هم في كربها وأهوالها وقوفاً ينتظرون فصل القضاء ، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب ، وأظلت عليهم نار ذات لهب ، وسمعوا لها تغيظاً وزفيراً ، فعندها أيقن المجرمون بالعطب ، فأسكنوا داراً ضيقة الأرجاء ، مظلمة المسالك ، يخلد فيها الأسير ، ويوقد فيها السعير ، طعام أهلها الزقوم ، وشرابهم فيها الحميم ، ومستقرهم الجحيم ، الزبانية تقمعهم ، والهاوية تجمعهم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تدرون ما هذا ؟ " قال : قلنا الله ورسوله أعلم ، قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً ، فهو في النار الآن حين انتهى إلى قعرها أخرجه مسلم (7096) .
أخي : فالنار أعدها الله للمجرمين الفجار ، فإياك إياك أن تكون من أهلها ، واغتنم هذا الشهر في فعل الطاعات ، وعمل القربات وترك المحرمات ، عسى الله أن يرفع لك الدرجات ، وتكتب في عداد المقبولين وتعتق من النار .
6- شهر رمضان شهر مضاعفة الأجور :
اعلم أخي وفقني الله وإياك لطاعته ، أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب : منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم مثلا فإن الصلاة فيه مضاعفة عن غيره من المساجد ، ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ، ولهذا كانت العمرة في رمضان تعدل حجة , كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجه قال لأم سنان الأنصارية : " ما منعك من الحج ؟ " قالت : أبو فلان _ تعني زوجها _ , كان لدينا ناضحان ، حج على أحدهما ، والآخر يسقي أرضاً لنا ، قال : " فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي رواه البخاري (1863) ، ومسلم (1256) .
قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ص (169) : " ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة ، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله ....... فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال ، كان صيام شهر رمضان مضاعفاً على سائر الصيام لشرف زمانه ، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده ، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني عليها الإسلام " .
فهلم أخي إلى فعل الخير في هذا الشهر ، فالأجر فيه مضاعف ، ألا ترى دعاء الملك في رمضان يقول : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر .
7- شهر رمضان شهر تصفد فيه الشياطين :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين متفق عليه ، وفي رواية فتحت أبواب الرحمة .
فيا فرحة العابدين ، ويا سعادة المجتهدين ، ونشوة الذاكرين ، بشهرٍ صُفِّدت فيه الشياطين ، وفتحت فيه أبواب السماء بالرحمة ، وفتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، فبادر أخي الكريم بفعل الطاعات ، وترك المنكرات ، لعلك تفوز بالجنان وحورها .
* * *
أخي :
هذه بعض فضائل شهر رمضان ، وهاهو عما قريب سيحل بساحتك ، ويملأ عليك الدنيا بهجة وسروراً ، وبركة وخيراً وضياء ونوراً فهذا هو حاله معك ، وتلك هي بعض مراسيم استقباله لك ، فما هو حالك معه ؟ وما هي استعداداتك ومراسيم استقبالك لهذا الشهر المبارك ؟
اعلم أن نفوس المؤمنين تشتاق إلى هذا الشهر العظيم ، ولكي يزداد الشوق والحنين فإليك بعض فضائل الصيام ، فأنعم بالصوم من عبادة بها ترفع الدرجات ، وتكفر الخطيئات ، وتكسر وتحطم على صخوره الشهوات ، وتزكو النفس وتنزجر عن خواطر المعاصي والمخالفات ، وبه تقرع أبواب الجنان ، وهو جنة للعبد يحول بينه وبين دخول النيران ، فكم للصوم من فضائل وفضائل ... وإليك طرفاً منها :
1-دخول الصوام الجنة من باب الريان :
عن سهل بن سعد رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد رواه البخاري (4/111) ، ومسلم (1152) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم وأرجو أن تكون منهم متفق عليه أخرجه البخاري (1897) ، ومسلم (1027) .
2- الصيام جنة _ أي : وقاية _ من النار والشهوات :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء رواه البخاري (1905) ، ومسلم (1400) .
وعن عثمان بن أبي العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصوم جنة من عذاب الله وفي رواية الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال أخرجه النسائي ، وأحمد ، وابن ماجه ، وغيرهم ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3867) .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/242-250) : "وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح ، وفي الآخرة من النار " .
3-الصوم في سبيل الله يباعد العبد عن النار :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً رواه البخاري (2840) ، ومسلم (1153) .
قال المناوي في فيض القدير (6/161) : "قوله : " سبعين خريفاً " : سنة ، أي نَجَّاه وباعده منها مسافة تقطع في سبعين سنة ، إذ كل ما مر خريف انقضت سنة ، فهو من إطلاق اسم البعض على الكل" ـ
أخي : إن أعز أمنية لآخر أهل النار خروجاً منها وهو يخرج منها حبواً أن يصرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ، ولا يسأل مولاه غير ذلك متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، فكيف إذا باعد الله وجهه عن النار وجعل بينه وبين النار مسيرة سبعين سنة ، وهذا بصيام يوم واحد ، فما ظنك بصيام شهر كامل ، وهو شهر رمضان ؟!
واستمع إلى هذا الحديث الآخر : عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام يوماً في سبيل الله تعالى جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض قال الهيثمي في "المجمع" (3/194) : رواه الطبراني في "الصغير" ، و"الأوسط" وإسناده حسن ، وكذا قال المنذري ، وقال الألباني : حسن لغيره . ينظر : "صحيح الترغيب" (1/581) (990) .
4- الصيام لا مثل له وهو الطريق إلى الجنة :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : مرني بعمل , قال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له قلت : يا رسول الله ! مرني بعمل ، قال : عليك بالصوم فإنه لا مثل له قلت : يا رسول الله ! مرني ، بعمل قال : عليك بالصوم فإنه لا مثل له . فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف . أخرجه النسائي ، وابن خزيمة ، والحاكم وصححه ، وابن حبان ، وصحح هذه الروايات كلها الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب "(1/580) (986) .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري ، فقال : " من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة " .
أخرجه أحمد (5/391) وقال الهيثمي في المجمع (2/324) : " رواه أحمد وروى البزار طرفاً منه في الصوم فقط ورجاله موثقون " . ا . هـ وقال المنذري في الترغيب (2/13)
(1441) : رواه أحمد بإسناده ولا بأس به ، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1/579)
(985) : صحيح .
ورواه الأصبهاني في الترغيب (104) ولفظه : " يا حذيفة ! من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة " قال الألباني في صحيح الترغيب (1/579) : صحيح لغيره .
قال المناوي في فيض القدير (6/123) : " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب " ا .هـ .
وبوب ابن خزيمة في صحيحة (3/304) :
" باب ذكر إيجاب الله عز وجل الجنة للصائم يوماً واحداً إذا جمع مع صومه صدقة ، وشهود جنازة ، وعيادة مريض " ا . هـ .
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ فقال أبو بكر : أنا . فقال " من أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ فقال أبو بكر أنا قال : من عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة " أخرجه مسلم (1028) وغيره .
فيا إخواني هذا طريق الجنة واضح أمامنا فمن كان من أصحاب الهمم العالية والأهداف السامية ، والغايات الرفيعة فهذا هو الطريق ، إنه الصوم فإنه لا عدل له .
5- الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه . قال : فيُشفعّان " أخرجه أحمد (2/174) وغيره وحسن إسناده المنذري في الترغيب ، وقال الألباني : حسن صحيح . (صحيح الترغيب (1/579) (984) ، وصحيح الجامع (3882) ) .
فيا أخي الكريم :
هذا الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة " فيا من فرط وأضاع ، يا من بضاعته التسويف والتفريط بئست البضاعة ، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان والصيام كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه . لطائف المعارف ص (194)
6- الصوم مضاف إلى الله إضافة تشريف وتعريف بقدره :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " رواه البخاري (1904) ، ومسلم (1151) .
وفي رواية عند البخاري : " يترك طعامه وشرابه من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها " .
وفي رواية مسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي " .
قال الإمام ابن عبد البر : ( كفى بقوله : " الصوم لي " فضلا للصيام على سائر العبادات ) .
7- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك :
قال ابن حبان : " شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقاً بينهم وبين سائر الأمم ، وشعارهم في القيامة بصومهم : طيب خلوفهم ، أطيب من ريح المسك ليعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل نسأل الله بركة هذا اليوم " . انظر صحيح ابن حبان (8/211) .
قال الحافظ ابن رجب : " خلوف فم الصائم : رائحة ما يتصاعد من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام ، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا ، لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته " .
وقال الحافظ في الفتح (4/128) : " ويؤخذ من قوله : " أطيب من ريح المسك " أن الخلوف أعظم من دم الشهيد ؟ لأن دم الشهيد شبَّه ريحه بريح المسك ، والخلوف وُصف بأنه أطيب ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الصوم أفضل من الشهادة لما لا يخفى ، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما ، فإن أصل الخلوف طاهر ، وأصل الدم بخلافه ، فكان ما أصله طاهر أطيب ريحاً " ا . هـ .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/205) : ( "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " فإذا كان هذا بتغير ريح فمه ، فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته ) ا هـ .
8- للصائم فرحتان :
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (176_178) : ( أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح , فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه , خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه , فإن النفوس تفرح بذلك طبعا , فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا , والصائم عند فطره كذلك , فكما أن الله تعالى حرَّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات , فقد أذن له فيها في ليل الصيام , بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره ... فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إليه وطاعة له , وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له , فما تركها إلا بأمر ربه , ولا عاد إليها إلا بأمر ربه , فهو مطيع له في الحالين .... وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك , كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوِّي على العمل كان نومه عبادة .... ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره , فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته , فيدخل في قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس / 58 , ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال , فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله , وأفطر على ما حرم الله ، ولم يستجب له دعاء , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يطيل السفر : "يمد يديه إلى السماء : يا رب , يا رب , ومطعمه حرام , ومشربه حرام , وملبسه حرام , وغُذِي بالحرام , فأنى يستجاب لذلك " . رواه مسلم من حديث أبي هريرة ( 1015 ) .
وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا , فيجده أحوج ما كان إليه , كما قال الله تعالى : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) المزمل / 20 ، وقال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ) آل عمران / 30 ) ا.هـ باختصار .
9- الصيام يرفع الدرجات :
وهذا في قوله : " وأنا أجزي به " .
قال الحافظ في الفتح (4/130) : " المراد بقوله : وأنا أجزي به ، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، وأما غيره من العبادات قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ، ويشهد لهذا السياق رواية "الموطأ" وكذا رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، قال الله : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أي أجازي عليه جزاءً كثيرا من غير تعيين المقدار ، وهذا لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر / 10 . ا هـ .
قال المناوي في "فيض القدير" (4/251) : ( " وأنا أجزي به " إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب ؟ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة القضاء وشرفه ) ا هـ .
وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (168) :"على هذه الرواية يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد , بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد " .
10-الصيام كفارة من الذنوب والمعاصي :
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر والنهي رواه البخاري (1895) ، ومسلم (144) وغيرهما .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه .
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر أخرجه مسلم (1/233) .
11- دعوة الصائم لا ترد :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر رواه البيهقي في الشعب وغيره ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3030) .
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم أخرجه الترمذي (3598) وحسنه ، وابن ماجه (1752) ، وأحمد (2/305) ، وابن حبان (3428) وغيرهم وحسنه ابن حجر في "أمالي الأذكار " .
فيا أخي : اغتنم الفرصة وارفع أكف الضراعة وأتت صائم ، وعند فطرك ، توجه بقلبك وقالبك إلى الله جل جلاله ادعه وأنت موقن بالإجابة ، فإنها لا ترد إن شاء الله .
12- أن لله وملائكته يصلون على المتسحرين :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين أخرجه ابن حبان في صحيحه ، والطبراني في "الأوسط" وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1844) .
والسحور لا يكون إلا في الصيام ، ولا يتسحر إلا من نوى الصيام وأراده ، ومن هنا يتبين فضل الصيام في ذلك ، لأنه كان سبباً في أن يصلي الله تبارك وتعالى وملائكته الكرام على المتسحرين .
أخي الكريم :
إن كان الله جل جلاله وملائكته الكرام يصلون على المتسحرين ، والسحور عون على الصيام فما ظنك بالصيام ؟ .
فأكرم بها من عبادة يصلي الله عليك بها والملأ الأعلى .
13- الصوم في الصيف يورث السقيا يوم القيامة :
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سرية في البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذ هاتف فوقهم يهتف : يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه ، فقال أبو موسى : أخبرنا إن كنت مخبراً . قال : إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أن من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش قال المنذري : رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله ، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب "(1/412) .
كان من أسباب بكاء الصالحين عند موتهم ما يفوتهم من ظمأ الهواجر ، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته : " مرحباًَ بالموت زائر مغب ، حبيب جاء على فاقة ، اللهم كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء فيها ولا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر " أنظر : "الزهد" للإمام أحمد ( 180 ) ، و"حلية الأولياء" ( 1 / 239 ) ، وغيرهما .
الله أكبر هكذا كان القوم ، وتلك هي همتهم ، وهذه كانت غايتهم من الدنيا فرضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته آمين .
14 ـ الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة أخرجه البيهقي في "الشعب" عن جابر ، وعند أحمد ، وأبي يعلى ، والبيهقي في "الكبرى" عن عامر بن مسعود رضي الله عنه ، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" ( 2898 ) وأشار إلى حسنه السيوطي .
وقال عمر رضي الله عنه : " الشتاء غنيمة العابدين " موقوف صحيح على عمر ، وهو عند أحمد في "الزهد" ( 175 ) وغيره .
وقال الحسن البصري : "نعم زمان المؤمن الشتاء ، ليله طويل يقومه ، ونهاره قصير يصومه" .
وقال قتادة : " إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن ، يقصر النهار فيصومه ، ويطول الليل فيقومه " .
وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول : " يا أهل القرآن قد طال الليل لصلاتكم ، وقصر النهار لصومكم ".
فيا أخي :
الشتاء ربيع المؤمن " لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ، ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه ، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها ، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات ، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش ، فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ... " انتهى من "لطائف المعارف" ( 241 ) .
* * *
فيا أخي الكريم :
هذه بعض فضائل الصيام وهي أكثر مما ذكرنا لكن ما ذكر فيه كفاية ، والعاقل خصيم نفسه ، وقد قيل : الظمآن يكفيه من الماء القليل ، فيا أخي الكريم شمر عن ساعد الجد ، واجتهد في هذا الشهر المبارك عسى أن تفوز بالأجر ، وتحصل لك بعض هذه الفضائل إن لم يكن كلها ، فاجتهد في فعل الطاعات من قراءة القرآن ، وذكر واستغفار ، وصلاة وقيام ، وصدقة وإنفاق ، واحرص على الازدياد من الأعمال الصالحات .
إن شهر رمضان ليس شهر السهر أمام التلفاز أو الدشوش والقنوات الفضائية ، وليس شهر التسكع في الحدائق والأسواق , وليس شهراً للسمر المحرم بالغيبة والنميمة وشرب الدخان والمخدرات والمسكرات ، ولعب البالوت واستماع الأغاني الماجنة والموسيقى المحرمة ، ولكنه شهر القرآن والذكر والقيام والتراويح والتسابيح ، والصدقة والبذل والعطاء ، وحلق العلم ، والاعتمار وغيرها من أبواب الخير والبر ، فكن مع الذين يسارعون في الخيرات ، ولا تكن مع الذين يبارزون بالمعاصي رب الأرض والسماوات .
قال الأوزاعي : "كان يحيى بن أبي كثير إذا حضر رمضان يدعو : اللهم سلمني لرمضان , وسلم لي رمضان , وتسلمه مني متقبلا " انتهى من "حلية الأولياء" (3/69) .
وفقنا الله وإياك لكل خير وطاعة وبر ، وصرف عنا وإياك كل سوء وشر ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه ، وصل اللهم على محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
الاسلام سؤال و جواب