تحلَّ بالصبر ونحِّ عنك العجلة قليلا وتدبر هذا:
كثير من الأسئلة يرد مصحوبا بكيف على سبيل الشكوى والعجز، لا على سبيل الاستفهام والتعلم، فإذا تكلمت عن الاعتصام بالأخلاق في زمن العصف المأكول، قيل : كيف..وإذا قلت لابد من سلامة الصدر من دخيلة السوء حقدا وحسدا ونفاقا، قيل كيف، وإذا قلت صل بخشوع قيل كيف، وإذا قلت استمسك بحلمك قيل كيف..
فلو أجبت بعد الـ"كيف" قيل لك: لكن..كيف؟!
وهذا كله من ثمار الكسل الذي هو معنى ليس محصورًا بالجسد، بل يمتد ليشمل الروح والقلب والعقل، فلا يجد الإنسان في نفسه طاقة على المحاولة، ويريد أن يكون "كلًّا" على غيره يصبُّ في صدره ذلك المعنى ويثبت فيه أركانه.
ونسي الكثيرون أننا متعبدون في هذه الحياة الدنيا بالمحاولة والمجاهدة، وأن عثراتك في الطريق إلى غايتك هي من الطريق، وأن الله تعالى يحب منك إصرار المتعثر، وحرص المخطئ، ويثيب العبد على ذلك..
فلو رُصِف أمام الإنسان جميعُ أسباب النجاح في الدنيا مفصلة حرفا حرفا، ولم ينهض فيحاول ويتعثر، ويحفظ طاقته التي يصرفها في الشكوى موفورةً على محاولاته وعثراته وغفلاته التي يسرع منها الأوبة=لما استطاع أحد بلوغ غايته..
والسائر على الطريق منتسبٌ إليه ولو لم ينتهِ منه، أما الذي ابتعد ووقف على ناصية الطريق متسائلا شاكيا متسولًا طرقَ السير، فلن يكون منسوبا إليه..
وتأمل في هذا قصةَ قاتل المائة نفس، كيف أدناه الله لإصراه على المحاولة رغم فداحة الجرم وعظم الخطيئة، وتأمل بقلبك قليلا قوله تعالى: وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى..
وانظر المسافة الهائلة بين "غوى"، و"اجتبى فهدى"!
لا تقل كيف!
سر مستعينًا تبتكرْ أقدامُك الطريق!
أ. وجدان العلي